الحمد لله
قال تعالى : { ولقد همت به وهم بها لولا أن رأى برهان } [يوسف :24 ]
كان همها للمعصية ، أما يوسف عليه السلام فإنه لو لم ير برهان ربه لهم بها - لطبع البشر - ولكنه لم يهم ؛ لوجود البرهان . إذا في الكلام تقديم وتأخير ، أي : لولا أن رأى برهان ربه لهم بها .
قال أبو حاتم : كنت أقرأ غريب القرآن على أبي عبيدة ، فلما أتيت على قوله : { ولقد همت به وهم بها } قال أبو عبيد : هذا على التقديم والتأخير ؛ كأنه أراد : ولقد همت به ، ولولا أن رأى برهان ربه لهم بها. القرطبي ، الجامع لأحكام القرآن 9/165 .
وقال الشنقيطي في أضواء البيان [ 3/58 ]
" الجواب عنه من وجهين :
الأول : أن المراد بهم يوسف خاطر قلبي صرفه عنه وازع التقوى ، وقال بعضهم : هو الميل الطبيعي والشهوة الغريزية المزمومة بالتقوى ، وهذا لا معصية فيه ؛ لأنه أمر جبلي لا يتعلق به التكليف ، كما في الحديث : أنه صلى الله عليه وسلم كان يقسم بين نسائه فيعدل ، ثم يقول : « اللهم هذا قسمي فيما أملك ، فلا تلمني فيما لا أملك » يعني ميل القلب . أبو داود ، السنن ، رقم الحديث 2134 .
ومثل هذا ميل الصائم إلى الماء البارد والطعام مع أن تقواه تمنعه من الشرب والأكل وهو صائم .
وقال صلى الله عليه وسلم : « من هم بسيئة فلم يفعلها كتبت له حسنة كاملة » أخرجه البخاري في صحيحه برقم 6491 ، ومسلم برقم 207 .
الجواب الثاني : أن يوسف عليه السلام لم يقع منه الهم أصلا ، بل هو منفي عنه لوجود البرهان .
إلى أن قال : هذا الوجه الذي اختاره أبو حسان وغيره هو أجرى على قواعد اللغة العربية " اهـ .
ثم بدأ يستطرد الأدلة على ما رجحه ، وبناء على ما تقدم فإن معنى الآية والله أعلم أن يوسف عليه السلام لولا أن رأى برهان ربه لهم بها ، ولكنه لما رأى برهان ربه لم يهم بها ، ولم يحصل منه أصلا .
وكذلك فإن مجرد الهم بالشيء دون فعله لا يعد خطيئة .
والله أعلم ، وصلى الله وسلم على نبيه الكريم .